Searching...
dimanche 3 mars 2013

الثورة الفرنسية - عرض ونقد فى ضوء التربية الاسلامية - عدنان حسن باحارث

اسم الكتاب: الثورة الفرنسية: عرض ونقد في ضوء التربية الإسلامية.
المؤلف: د. عدنان حسن باحارث.
الطبعة: الأولى.
سنة النشر: 1433هـ - 2012م.
دار النشر: مكتبة إحياء التراث الإسلامي.
صفحات الكتاب: 171.

تعدُّ الثورة الفرنسية وميثاق حقوق الإنسان الذي جاءت به، بمثابة "إنجيل العصر الحديث" في العالم الأوروبي، فبنجاح الثورة الفرنسيَّة في تحقيق أهدافها دخلتْ أوروبا في مَوجة جديدة مِن العصرانية أدَّت لسقوط الملكيات القديمة، وتحرير أوروبا من سَطوَة الدِّين، ونِير السُّلطة الرُّوحانية والزمانية للكَنيسة، بل عملت فرنسا على تصدير الثورة لجِيرانها الأوروبيِّين، "وحمَل خِطابُ الثورة الفرنسيَّة طابع العُموم، وتناوَل الإنسانية بشمول".

وقد افتُتن كثير مِن مُثقَّفينا ومُفكِّرينا الإسلاميين بنجاحات الثورة الفرنسية، وتوغلِ أفكارها في عقلية العالم الغربيِّ الحديث، عن طريق موجات "الليبرالية - العلمانية" التي سادَت الفِكر الأوروبي الحديث، وأرادوا تطبيق نموذجها على مُجتمعاتنا الإسلامية عن طريق التوافُق العَصريِّ بين "الدِّين" و"الحَضارة"، وليس أدلَّ على عُمقِ تأثير هذه المفاهيم الجديدة على العالم الإسلامي مِن احتفال بعض الحكومات في بلادنا العربية بصورة رسمية بذِكرى قيام الثورة الفرنسية وصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، مثلما رأينا في "مصر" - منذ سنوات - مِن احتِفال الدولة بذِكرى تلك الثورة وما تَبعها مِن دخول الفرنسيِّين مِصر في حملة استعمارية!

يُناقش بحث الدكتور "عدنان حسن باحارث": "الثورة الفرنسية عرض ونقد في ضوء التربية الإسلامية" - أهمَّ الأسباب التي أدَّت لقيام الثورة الفرنسية، وتداعياتها على المستوى الاجتماعي والثَّقافي والحَضاري في فرنسا خاصَّة، وفي أوروبا بصِفة عامة، كما يُناقِش أهمَّ إيجابيات الثورة الفرنسية وأكبر سلبياتها في ضوء التربية الإسلامية؛ حيث يُبيِّن الكاتب أن بعض مبادئ الثورة تتقاطَع مع الفِكرَة الإسلامية، والمَنظور الإسلامي لطَبيعة حركة الإصلاح، فتتوافَق معها تارةً، وتُخالِفها تارةً أخرى، ويُرجِع المؤلف أهميَّة هذا البحث مِن كون طبيعة الثورة الفرنسية وما جاءتْ به يُوصَف دومًا بأن له تأثيرًا "عالميًّا"؛ حيث "لم تعدْ مَبادئ الثورة الفرنسية شأنًا داخليًّا؛ وإنما أصبحت شأنًا عالميًّا، يُنادي بها الثوار في كل مكان، فما تزال شعاراتها: الحرية، المساواة، العدالة... موضع إجلال عالميٍّ، وأداة إثارة عاطفيَّة؛ ولهذا تحتاج إلى تقويم في ضوء المعايير الإسلامية، لا سيما وأن الفكر الليبرالي - المدعوم والمؤصَّل بالثورة الفرنسية - أصبح موجةً طاغيةً يَتبنَّاها العديد من المُفكِّرين المُسلمين"؛ (ص: 7).

ومِن العَجيب أن الكاتب قد نبَّه أثناء بحثِه إلى أن العديد من العوامل التي أدَّت إلى قيام الثورة الفرنسية يُعاني منها العالم العربي في الوقت الحالي؛ مما يُرجِّح قيام ثورات مُماثِلة في العالم العربي قريبًا، وكان انتهاؤه مِن كتابة بحثِه قبل اندِلاع الثورات العربية بشهرَين فقط؛ حيث قال الكاتب: "لما كان العالم الإسلامي الحَديث يعيش ضِمنَ مَنظومة دول العالم الثالث النامية، التي تُعاني تخلُّفَ التنميَة، وضعْف الموارد، والاضطِهاد السياسي؛ فإنه مُرشَّح لتبنِّي بعض أُطروحات الثَّورة الفرنسية، بأبعادها الفِكريَّة المُتطرِّفة، والحركيَّة العَنيفة؛ إذ لا بد للغلَيان الشعبيِّ مِن مُتنفَّس؛ لذا يجد المُتأزِّمون في الطرْح الليبرالي - المدعوم بآراء الثورة الفرنسيَّة - مُتنفَّسًا للتعبير عن الغضب والاستنكار الشعبي للمَظالم الاقتصادية، والاستِبداد السياسيِّ؛ إذ إن أهمَّ ما يُميِّز الليبرالية في صورها المُختلفة هو مُراقَبة السلطة السياسية وضبْطُها، سواء كانت هذه السُّلطة ممثَّلةً في الدولة أو في الدِّين"!

مؤلِّف الكتاب هو د. "عدنان حسن صالح باحارث"، أستاذ التربية الإسلامية المشارك في جامعة "أم القرى" بالمملكة العربية السعودية، من مواليد عام (1379هـ) في مكَّة، حصل على البكالوريوس في العلوم العامة عام 1403هـ من جامعة "بورتلاند استيت" بالولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، حصل على الماجستير عام 1409هـ في التربية الإسلامية مِن جامعة أمِّ القرى بمكة المكرمة، وكان عنوان أطروحته: "مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة"، حصلَ على الدكتوراه عام 1422هـ في التربية من جامعة الإمام محمد بن سُعود الإسلامية بالرياض، وكان عُنوان أطروحته: "أسس تربية الفتاة في الإسلام"، وهو نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسيَّة (جستن) بمنطقة مكَّة المُكرَّمة، وعضو اللجنة العلمية في الهيئة الإسلامية العالمية للتعليم في رابطة العالم الإسلامي، أنجَز وحكَّم العديد من الأبحاث والدراسات التربوية، وأقام عددًا من الدورات والمُحاضَرات التربوية، وشارك في العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وكتب العديد مِن المقالات العِلميَّة والثقافية والتربوية، ويُشرِف الكاتب على الموقع الشخصي الخاصِّ به على شبكة الإنترنت (موقع الدكتور عدنان باحارث للتربية الإسلامية) www.bahareth.org والذي يحوي أكثر من ألف وثلاثمائة عنوان مِن إنتاجه العِلمي، المكتوب والمسموع، في مختلف قضايا التربية، ومن مؤلَّفاته الأُخرى في مجال التربية الإسلامية؛ والتي لم تُنشَر بعد:
1- ضوابط تشغيل النساء - دراسة نظرية في ضوابط مُشارَكة النساء في ميادين التنميَة الاقتصادية العامَّة في ضوء التشريع التربوي الإسلامي.

2- مواقف الاختلاط بين الجنسَين ودَورها في إثارة الغريزة الجنسية في ضوء التربية الإسلامية.

3- تخصُّص الفَتيات الطبِّي بين الواقع والمأمول في ضوء التربية الإسلامية.

وصْف الكِتاب:
وضَع الكاتب بحثَه في مُقدِّمة، وثمانية مباحِث، وخاتمة، وقد وضَّح في مقدَّمتِه النهج الذي اتَّبعه في طرح قضية دراسته عن الثورة الفرنسية؛ حيث بيَّنَ تميُّز الثورة الفرنسية عن غيرها مِن ثورات العصر الحَديث بكَونها "ثورةً شاملةً، تُقيم الحياة بأكمَلِها على نهْج جديد، ليس الدِّين مِن أُسُسه، بغضِّ النظر عن صحَّة هذا الدِّين أو بطلانه، بمعنى أن الثورة تؤصِّل للفكرة العلمانية، المتضمِّنةِ فصْلَ الدِّين عن الحياة والسياسة، بل ربما إلى ما هو أبعد مِن هذا، وهو إلغاء الفِكرة الدينيَّة برمَّتها"؛ (ص: 8)، لذا؛ فإن دراسة هذه الثورة من مُنطلَق نقديٍّ بحتٍ يشهد بما لها وما عليها، وذلك على هدْي التربية الإسلامية - يُمثِّل الفكرة الأساسية التي يدور عليها بحث الكاتب.

وقد بيَّن الكاتب أن البحث يسعى للإجابة عن عدَّة أسئلة مِحوَريَّة؛ هي:
السؤال الرئيس: ما حَقيقة الثورة الفرنسية وإنجازاتها مِن الوجهة أو الزاوية الإسلامية؟

الأسئلة الفرعية:
1- ما الأسباب التي مهَّدت لقيام الثورة؟
2- كيف تمَّت أحداث الثورة؟
3- ما أهمُّ مبادئ الثورة؟
4- ما موقف الثورة مِن الدِّين؟
5- كيف أثَّرت الثورة في العالم مِن حولها؟
6- ما أسباب نجاح الثورة؟
7- ما دور اليهود في توجيه الثورة لتحقيق مصالحِهم؟
8- ما موقف التربية الإسلامية من إنجازات الثورة؟

وجاءت عناوين مباحث الكتاب على النحو التالي:
المبحث الأول: مُمهِّدات الثورة الفرنسية.
المبحث الثاني: أحداث الثورة الفرنسية وتداعياتها.
المبحث الثالث: مبادئ الثورة الفرنسية.
المبحث الرابع: موقف الثورة الفرنسية مِن الكَنيسة.
المبحث الخامس: أثَر الثورة الفرنسية في العالم.
المبحث السادس: علاقة اليهود بالثورة الفرنسية.
المبحث السابع: أسباب نجاح الثورة الفرنسية.
المبحث الثامن: تقويم إنجازات الثورة الفرنسية.
الخاتمة: في نتائج وتوصيات البحث.

تناول المبحث الأول بعنوان: "ممهِّدات الثورة الفرنسية" دراسة للأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الفاسدة التي سبقَت قيام الثورة الفرنسية؛ فعلى المستوى الاجتماعي كان "نظام الطبقات" الذي قسَّم الناس في عهد الملكيات المُستبدَّة في أوروبا - مِن أكبر العوامل التي فاقمت مِن شُعور الغالبية العُظمى من المجتمع الفرنسي بالظُّلم وسوء الأحوال المعيشيَّة، إلى جانب تهميش طبقة "العامة"، وعدم وجود صوت فعَّال لها في مجلس الطبقات (البرلمان)؛ حيث كان الملك والنبلاء هم الذين يتقلَّدون جميع المناصب، ويتولَّون جميع الأمور، أما على المستوى السياسي، فقد كان الملك "لويس السادس عشر" الذي تقلَّد الحُكم - مِن أفسد وأضعف ملوك "البوربون" الذين جلسوا على العرش، ولم يهتمَّ بشعبه مثل اهتمامه بزوجته وبلاطه الذي عمَّه الفساد من جميع النواحي، إلى جانب هزيمته في حروب كثيرة خاضَها في أوروبا، أما على المستوى الثقافي، فقد قامتْ بين فئات الشعب طبقة مِن المثقَّفين البرجوازيين، والفلاسفة التنويريِّين، الذين تلقَّوا قدرًا مِن التعليم والثقافة خوَّلهم لقيادة الأمة بأفكارهم مِن الشارع، وساهموا في ازدياد وعْي الشعب بواقعِهم المرير الذي يجب الثورةُ عليه، وضرورة تحسين الأحوال في أقرب وقت، والذين كان مِن أَبرزِهم في القرن الثامن عشر: "روسُّو" و"مونتيسكيو" و"فولتير".

أما المبحث الثاني: "أحداث الثورة الفرنسية وتداعياتها" فقد تناوَل تلخيصًا لأهم الأحداث التي أدَّت لاندلاع الثورة، والتي كانت بدايتها في مجلس الطبقات يوم: 4/5/1789م إثر مناقشة حادَّة طالبت فيها "الطبقة العامة" في البرلمان بإسقاط الضرائب الباهِظة؛ مما أثار غضَب الملك والنبلاء، حتى إنهم أخرَجوا ممثِّلي "الطبقة العامة" من قاعة المجلس طردًا، فاعتصموا بملعبٍ لكرة التنس بجوار القاعة، وتقاسَموا على عدم مُبارَحة هذا المكان إلا بوضع الدستور، وقد حاول الملك طردَهم مِن الملعب بواسطة الجيش إلا أن الجيش التزم الحياد بعدما بدأ الشعب في التحرُّك في الشوارع والأحياء ضدَّ الحكومة، "وهنا كانت بداية التحوُّل لصالح الطبقة العامة بقيادة البرجوازيِّين"؛ (ص: 54).

وقد تلا هذه الأحداثَ تأسيسُ الجمعية الوطنية، وإعلان مجلسٍ للأمَّة يُنازع سلطات الملك، والملك في غَمرة الأحداث لا يستطيع التحرُّك مِن قصره، وقد تزعَّمَ هذه الأحداثَ قياداتٌ شابَّة من أمثال: لافييت، وميرابو، وسييز، ومع تطور الأحداث تمَّ إسقاط سجن "الباستيل" الرهيب عام 1789م، وإعلان الجمهورية، وإعدام الملك "لويس السادس عشر" وزوجته "ماري إنطوانيت" على المِقصَلة بعد محاوَلتهما الهرب، ولكن سرعان ما انقلبت القيادات البرجوازية على بعضها البعض، وبدأ كل فريق في تصفية الآخَر تحت ستار المُحاكَمات الظالِمة فيما يعرف بـ"تصفيات عهد الإرهاب"، وقد انتهَت أحداث الثورة بعودة الملكيَّة ثانيةً لفرنسا بعد سقوط نابليون بونابرت عام 1814.

وتعاقبت على فرنسا العديد من الملكيات، حتى تمخَّضت ثورة 1848م عن الجمهورية الثانية بقيادة "لويس نابليون" والذي أعلن عقبَه قيام الإمبراطورية الفرنسية الثانية حتى عام 1870م.

وقد بيَّن الكاتب أن هدف الثورة في البداية كان ضبْط تصرُّفات الملك وحاشيته، ودفْعَ المظالم عن الشعب، ولكن سرعان ما تحوَّلت الأحوال لصالح البرجوازيِّين، ووجدوها فرصة سانِحةً للانتقام من كل ما يتعلَّق بالملكية وطائفة النُّبلاء والكنيسة.

وبيَّن الكاتب أن قادة الثورة الفرنسية كان لديهم بعْدٌ توسُّعي منذ بدايات الثورة، وأعلنوا أكثر من مرة عن نيَّتهم تصدير الثورة للملكيَّات الأوروبية المُجاورة، بل وحتى إلى الدولة العثمانية؛ مما أثار ضدَّهم الدول المُجاوِرة، وحاول ملوكها في اتِّحادٍ أوروبي غزوَ فرنسا، لكنْ كان لحَماس العامة أكبر الأثر في ردِّهم مُنهزمِين، بل واحتلال أجزاء مِن بلجيكا والراين وجبال الألب وبحر المانش عقب هزيمة ملوك أوروبا؛ مما كان له أكبر الأثر في رفع مَعنويات الشعب وقتذاك.

وجاء المبحث الثالث بعنوان: "مبادئ الثورة الفرنسية"؛ حيث تناول الكاتب أهمَّ إنجازات الثورة على المستوى الفكري، وهي مبادئها المتضمِّنة لحقوق الإنسان؛ حيث تضمَّنتْ وثيقة حقوق الإنسان وليدة الثورة سبعة عشر بندًا نصَّت على احترام كرامة الإنسان، وتأكيد سيادة الأمة، واحترام القانون بكونه تعبيرًا عن إرادة الأمة، واستِقلال السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية)، واحترام حرية الإنسان وأنها حق لجميع البشر ما لم تُخالِف قانونًا من قوانين الدولة، وأنه لا سلطان للدِّين ومَضامنيه الغيبيَّة في مجتمع الثورة؛ بل السيادة للعقل ونتائجه العملية، وإلغاء نظام الإقطاع المفروض على الشعب، وإلغاء نظام "العُشْر" المفروض مِن الكنيسة على الشعب، إلى جانب إلغاء "الحق الإلهي" للمَلك في تقلُّد الحكم بسقوط الملكية، وتحويل حق السلطة مِن المَلِك إلى الشعب.

وتناوَل المبحث الرابع بعنوان: "موقف الثورة الفرنسية من الكنيسة" بالنقد موقف الثورة الفرنسية - منذ بداياتها - من الدِّين والكنيسة، فرغم كل مظالم الكنيسة وفسادها على مدى قرون بل ومساندتها سلطة الملوك الفاسِدين، ودعمهم بسُلطان الدِّين، إلا أن الشعب الفرنسي لم يكن مُلحِدًا تمامًا ورافضًا للدِّين، وكانت لدَيه مسحة من التديُّن والاحترام له، إلا أن العداء بين قادة الثورة والكنيسة كان واضحًا جليًّا منذ بداياتها، حتى إن قادة الثورة عند مناقشة الدستور رفضوا بصورة قاطعة بندًا اقترحه رجال الدِّين يُشير إلى أن "الكاثوليكية" دين الدولة!

وهذا أدَّى لرفض الكنيسة تأييد الثورة رغم أن بعض رجالها كانوا مِن المتحمِّسين للثورة وإصلاحاتها الداخلية، بل إن بابا روما نفسَه أصدر قرارًا بالحِرمان لكل كاهن فرنسي يُقسم بالولاء لدستور الثورة الجديد، وقد تمادَى قادة الثورة في التعسُّف بشأن الكنيسة ورجالاتها، فقتل بعض رجالات الكنيسة في عهد الإرهاب بتُهمة التآمُر ضدَّ الثورة، وقطَعت فرنسا صلتها بالبابا والكنيسة الأمِّ، وألغيت أية اميتازات لرجال الكنيسة أُعطيتْ لهم مِن قبْل، وزادت مظاهر الاستخفاف بالدين والسخرية مِن القَساوسة والرُّهبان، بل تجرأ بعض المُلحِدين مِن الفنانين والمُمثلين على وضع امرأة شبه عارية على كرسي داخِل الكنيسة ثم سجَدوا لها، بعد أن طردوا منها القساوسة والرهبان، وأعلنوا عبادة العقل، وذلك في السنوات الأولى للثورة.

وقد عملت الدولة على قطْع أيِّ صلة للكنيسة بأي مِرفَق مِن مرافق الدولة، وتسييس ممارساتها لتتوافَق مع إجراءات الثَّورة واتجاهاتها، حتى صارت الكنيسة طابعًا رمزيًّا شكليًّا خاليًا مِن الحقيقة الدينيَّة، وصارت الكنيسة في طبيعتها عَلمانية تبعًا للدولة، حتى اتُّهمت الكنيسة الفرنسية بالرِّدة عن الدِّين؛ لإفراطها في التسامُح العقدي والأخلاقي.

أما المبحث الخامس "أثر الثورة الفرنسية في العالم"، فتناوَل تأثير الثورة الفرنسية في التاريخ الأوروبي بأسرِه؛ حيث كان مِن أهمِّ نتائج الثورة الفرنسية: إسقاط الملكيَّة وإقصاء الكنيسة، وهو النهج الذي سرَتْ نيرانه إلى أغلب بلدان أوروبا في أواخِر القرن التاسع عشَر بعد ذلك؛ لتغرَق أوروبا في مَوجة مِن العَصرانية القائمة على العَلمانية الرافِضة لأيِّ سُلطة دينيَّة، والقائمة على عبادة العقل وتقديس العلم.

وقد فرضت الثورة على العالم المتحضر مَضامين وثيقتِها لحقوق الإنسان، والتي صارتْ بمَثابة وثيقة حقوقية لضَمان الحريات وتدعيمها في العالَم بأسرِه، إلى جانب دخول أوروبا في عصر اقتصادي يقوم على الصِّناعة؛ حيث "تمركزت الثورة لتكون نقطة التحوُّل الرئيسة مِن النظام الإقطاعي الضيِّق إلى النظام الرأسمالي المفتوح"؛ (ص: 117).

وقد امتدَّ تأثير الثورة الفرنسية وأحداثها السياسية إلى المشرق الإسلامي ذاته؛ وهو ما تمثَّل في محاولة "نابليون بونابرت" غزو المَشرِق في مصر وفلسطين، وعدم نجاحه في تدعيم إمبراطوريته في الشرق للصِّراعات الداخلية والخارجية حينها، ومِن ثَمَّ اضطُرَّ للتخلي عن هذا الحُلم بهزيمته في معركة "واترلو".

وتناول المبحث السادس بعنوان "علاقة اليهود بالثورة الفرنسية" دور اليهود الخفيَّ في إدارة بعض أحداث الثورة الفرنسية والحضِّ عليها ودعمها؛ وذلك عن طريق المَحافِل الماسونية، وبالأخص فئة "النورانيِّين" منهم - والتي تأسست عام 1776م لغرض الوصول إلى حُكومة عالمية تَحكُم العالم وتحقِّق أغراض اليهود - وقد أعلن مجلس النواب الفرنسي عام 1904 هذه الحَقيقة، المتضمنة للدَّور الماسوني في صِناعة الثورة الفرنسية، وقد انتشرت المحافِل الماسونية في فرنسا قبيل الثورة حتى بلَغ عددها ما يَزيد على ألفي محفل ماسوني تضمُّ مائة ألف عضو مُشارك في الحياة العامة، ونجد أن مُعظَم مرشدي الثورة كانوا مِن أنصار المحافل الفرنسيَّة، بل ولما نجحَت الثورة وأصدرت وثيقة إعلان حقوق الإنسان، تولَّت المحافل الماسونية ترجمتها لعدة لغات وتوزيعها عن طريق محافِلها في أماكن عدَّة في العالم لنشْر الفِكر الثَّوري، بل إن تسلُّط "اليعاقبة" وبدء عهد الإرهاب بعد قيام الثَّورة مُباشَرة كان للماسونيِّين الدور الرئيس في إدارة أغلب أحداثه بغرض تصفية القيادات القديمة، ولما تمَّ هذا بقتْل الملك وأغلب النبلاء ورجال الدِّين، انقلب قادة الثورة على بعضهم البعض كما لو كانوا أدوات طيِّعة في أيدي النورانيِّين الماسونيِّين.

وقد بلغت غايات النورانيين مداها بتحجيم سلطة الدِّين وتنحيتِه تمامًا واستبدال غيرها بها مِن النُّظم العلمانية، ونجد أن اليهود قد طلبوا مِن نابليون توطين يَهود العالم في فلسطين، وأقاموا خطَّة سرية عام 1798 لإقامة كومنولث يَهودي على أرض فسلطين، وكان لهم دور مِحوَري في إمداد حكومته بالمال وتدعيم حملتِه على بلاد المَشرِق الإسلامي، ولما فشَل نابليون في تلبية مطالبهم المُتتالية، وتزايَدت هزائمه ومَشاكله الداخلية، تنكَّر له اليهود من طائفة الماسونيِّين وحاوَلوا اغتياله وإسقاطه، حتى انتهى به المطاف السياسي إلى الهَزيمة والنفْي.

وتناوَل المبحث السابع "أسباب نجاح الثورة الفرنسية" رصْدًا واستِقراءً لأهمِّ العوامل التي كانت وراء نجاح الثورة الفرنسية وشُموليَّتها، والتي لخَّصها الكاتب في عدة نقاط كان مِن أَبرزِها: مُساندة الشارع العام للثورة في المدينة والقرية والرِّيف؛ فهي ثورة خرجَت مِن بين أدنى طبقات الشعب (طبقة العامة)، وحمَل لواءها "البرجوازيُّون" الذين تلقَّوا قدرًا من التنوير خوَّلهم لقيادة هذه الجماهير في مواجَهة الأرستقراطية المُتحكِّمة، إلى جانب بلوغ الثورة بعض أهدافها في فترة زمنية قياسيَّة لا تتجاوز أربعة سنوات؛ حيث أطاحت بالملكيَّة وذِراعها الدِّيني (الكنيسة)، ووضعت الدستور، وأعلنَت ميثاق حقوق الإنسان، وعَملتْ على مُشاركة الشعب في صنْع القرار السياسي، إلى جانب تصدير الثورة للخارج، وصدِّ المحاولات الخارجية مِن دول أوروبا لغزو فرنسا وإخماد لهيب الثورة.

أما الفصل الثامن، وهو خلاصة البحث، فجاء بعنوان "تقويم إنجازات الثورة الفرنسية"؛ حيث أبرَز الكاتب أهمَّ إيجابيات الثورة وسلبياتها، وتقويمها مِن منظور تربويٍّ إسلامي.

إيجابيَّات وسلبيات الثورة مِن منظور التربية الإسلامية:
يرى الكاتب أن حالة الزَّخَم الثوري التي تلت الثورة الفرنسية قد نجحَت بالفعل في ثورة العقل الأوروبي على نِظام السُّخرة والاستِعباد والاستبداد الملَكيِّ المُتسلِّط، واستِغلال الكنيسة المُنحرِفة عن جوهر الدِّين، إلى جانب تملُّك نظام الإقطاع الجائر مِن رِقاب الفلاحين والطبقات الدنيا من الشعب، وأن الثورة كانت نتاجًا طبيعيًّا لحالة الهيمنة السُّلطوية مِن جانب (الملك - الكنيسة)، واستِقراءً تاريخيًّا يُعدُّ توكيدًا للسنن الكونية في الأرض، وسنَّة الاستبدال في الأمم، كما يُشير الكاتب إلى أن وثيقة حقوق الإنسان التي وضعتها الثورة الفرنسية تَمتاز في بعض جوانبها العامَّة عن الدساتير الأوروبية والعالميَّة بصفة الخطاب العام للإنسانية، مُتخطيَةً بذلك حدود الجغرافيا، وأصول العرقيات والإثنيات، إلى جانب أن مُعظمَها يَتوافق "مِن المنظور العام" مع مضامين الشريعة الإسلامية.

غير أن الثورة الفرنسية ووثيقتها لحقوق الإنسان أغفلت الجانب الرُّوحاني تمامًا في بنودها، وعمدت إلى تَغييب الدِّين تمامًا، بل وكان الإلحاد سمةً لها إن صحَّ التعبير، إلى جانب إغفالها الحديث عن واجبات الإنسان المُقابِلة للحريات الواسعة التي خوَّلتْ له التمتُّع بها، وهذا مِن شأنه تدعيم الجانب المادِّي عند الإنسان؛ الذي أدَّى لتفاقم خلُق الأنانية والأثَرة في الإنسان الأوروبي، وهو ما يَتضادُّ مع رُوح الشَّريعة الإسلامية التي تُقدِّم القيامَ بالواجبات على المُطالَبة بالحُقوق؛ لتأكيد سُلطة المجتمع في مُقابل حقوق الفرد.

كما أن الوثيقة أحلَّت بصورة جلية الإنسان محلَّ الإله؛ حيث خلَعت عليه صفات التشريع ووضع القوانين بعيدًا عن أي سُلطة روحانية أو مرجعية توازُنية، اللهم إلا ما أطلَقوا عليه "دعم الحريات"، وبذلك - كما يقول الكاتب - تحوَّل مجتمع الثورة الديمقراطي إلى مجتمع مِن الآلِهة تَحكمهم - بالقانون المُتعارَف عليه - سلطةٌ سياسيةٌ؛ مما يفرض على الفرد طاعتها - بصورة طوعية مُقنعة - طاعة مُطلَقة باعتباره إياه والدولة كيانًا تشريعيًّا واحدًا قائمًا على "حكم الأغلبية" مِن خلال القوانين الوضعية، وذلك عن طريق الانتخاب الحرِّ، وهذا من شأنه تعبيد الناس لسُلطة الدولة المُطلَقة، بحيث يُمكِننا القول: إن المجتمع الأوروبي بعد الثورة الفرنسية استبدَل ديكتاتورية المَلِك بديكتاتورية الدولة الديمقراطية وسلطتها المُطلَقة، وهذا الأمر أثبت فشلاً ذريعًا بخرق الدولة ذاتها لأغلب قوانينِها تبعًا لمصلحتها الخاصة ومصلحة النُّخَب الحاكمة؛ مما أوقعها في عارِ التناقُض، ففي النهاية لا تتمتَّع الأغلبية العظمى مِن طبقات الشعب الفقيرة إلا بحقٍّ انتخابيٍّ "هزلي"، لا يُعبِّر سوى عن رغبة الدولة وسلطتها المطلقة، والتي هي ممثَّلة في النخب الحاكمة، "ويَنحصر دور الجماهير في التصديق على القرارات التي تُصدِرها الصَّفوَة الحاكمة (المنتخَبَة)، ثم يَنحازون إلى الظلِّ ليُمارسوا - بعد ذلك - دور المُتفرِّج على الأحداث - مُشاهَدةً ومُتابعةً - فلا يُشارِكون في شيء مِن تفاعُلاتها، فضلاً عن التدخل في صناعته"؛ (ص: 146، 147).

توصيات البحث:
في خاتمة البحث لخَّص الكاتب أهمَّ النتائج التي خرج بها من البحث في صورة نقاط، أكَّد فيها على عُمقِ تأثير الثورة الفرنسية عالميًّا، وانتِشار صدى أفكارها خارج حُدودها بشكل يُبرِز الأهمية التي حظَيت بها دراسة هذه الثورة واستِقراء تاريخها، ومحاولة إبراز أهمِّ إيجابياتها وسلبياتها على هدْي التربية الإسلامية.

وقد طرَح الكاتب في نهاية بحثِه عدَّة توصيات تَخدُم الاستِفادة من موضوع الثورة الفرنسيَّة، وتحليلها تاريخيًّا وفكريًّا، والتي مِن أهمِّها:
المُزاوجة بين الحقوق في الشريعة الإسلامية، وما ورَد مِن بُنود في وثيقة حقوق الإنسان الفرنسية؛ للتعرُّف على أسبقيَّة الشَّريعة في ذلك.

تقويم قرارات وممارسات الحكومة الفرنسية المُعاصِرة، والعالم الغربي بصورة عامة، في الألفية الثالثة في مجال حقوق الإنسان، في ضوء وثيقة الثَّورة الأولى لحقوق الإنسان.

تحذير الحُكومات مِن مغبَّة الاستبداد السياسي، الذي قد يَسوق العامةَ إلى العُنفِ والفَوضى.

 

 

_______________________DOWNLOAD___________________

http://www.mediafire.com/view/?7fzkz4rs64uu9bf

_____________________________________________________

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

 
Back to top!